فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
تضمنمت الآيات من أصناف البديع ما يلى:
1- الطباق في لفظ {الذكر والأنثى} وفي {ومن يطع ومن يعص} وفي {آباؤكم وأبناؤكم}.
2- الاطناب في {من بعد وصية توصون بها او دين} و{من بعد وصية يوصين بها أو دين} والفائدة التأكيد على تنفيذ ما ذكر.
3- جناس الاشتقاق في {وصية يوصى}.
4- المبالغة في {عليم حليم} لانها من صيغ المبالغة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {خَالِدِينَ} في نصبه وجهان:
أظهرهما: أنَّهُ حال من الضمير المنصوب في {يُدْخِلْهُ} وَلاَ يَضُرُّ تَغَايُرُ الحال وصاحبها من حيث كانت جمعًا وصاحِبُها مفردًا، لما تقدَّم من اعتبار الَّلفْظِ والمَعْنَى وهي مقدّرة؛ لأنَّ الخلود بعد الدُّخول.
والثَّاني: أن يكون نَعْتًا لـ {جَنَّاتٍ} من باب ما جَرَى على موصوفه لَفْظًا، وهو لغيره معنىً، نحو: مررت برجُلٍ قائمةٍ أمُّه، وبامرأة حَسَنٍ غُلامُها، فقائمة وحسن وإن كانا جَارِيينِ على ما قبلهما لَفْظًا فهما لِما بَعْدَهما معنىً، وأجازَ ذلك في الآية الكريمة الزَّجَّاجُ وتبعه التبرِيزيُّ، إلاَّ أنَّ الصِّفة إذا جَرَتْ على غير مَنْ هي له وجب إبرازُ الضَّمير مطلقًا على مذهب البصريين ألْبسَ أو لم يُلْبَسْ.
وَأمَّا الكوفيين فيفصِّلون، فيقولون: إذا جرت الصِّفة على غير مَنْ هي له، فإنْ ألْبسَ وَجَبَ إبرازُ الضمير، كما هو مذهبُ البصريين؛ نحو: زيدٌ عمرو ضاربُه هو، إذا كان الضربُ واقعًا من زيد على عمرو، فإن لم يُلْبسْ لم يَجِبِ الإبرازُ، نحو: زيدٌ هندُ ضاربُها، إذا تَقَرَّرَ هذا فَمذهَبُ الزَّجَّاجِ في الآية إنَّمَا يتمشَّى على رأي الكوفيين، وهو مذهب حَسَنٌ.
واستدلَّ مَنْ نَصَرَ مذهب الكوفيين بالسَّمَاعِ، فمنه قراءة مَنْ قرأ {إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53] بجر غير مع عدم بروز الضمير، ولو أبْرَزَهُ لقال: غير ناظرين إناه أنتم.
ومنه قول الآخر: [البسيط]
قَوْمِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا وَقَدْ عَلِمَتْ ** بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وقَحْطَانُ

ولم يقل: بَانُوهَا هُمْ.
وقد خَرَّج بعضهمُ البيت على حذف مبتدأ، تقديره: هم بتنوها فقومي مبتدأ أوَّلٌ، وذُرا مبتدأ ثان، وهُمْ مبتدأ ثالث، وبانوها خبر الثَّالث والثَّالِثُ وخبره خبر الثَّاني والثاني وخبره خبر الأوَّل.
وقد منع الزمخشريُّ كون خَالِدينَ و{خَالِدًا} صفةٌ لـ {جَنَّاتِ} ونارًا؟ قلت: لا لأنَّهما جَرَيَا على غير مَنْ هُمَا له، فلابد مِنَ الضَّميرِ في قولك: خالدين هم فيها، وخالدًا هو فيها.
ومنع أبُو البَقَاءِ ذلك أيضًا بعدم إبراز الضمير لكن مع خالدًا ولم يتعرض لذلك مع خالدين ولا فرق بَيْنَهُما، ثم حكى جواز ذلك عن الكوفيين، وهذا المنع على مذهب البصريين كما تقدَّمَ.
وقرأ نافعٌ وابنُ عَامِرٍ هنا نُدْخِلْهُ في الموضعين، وفي سورة الفتح [الآية 17] وفي سورة التغابن [الآية 9] والطلاق [الآية 11] بنون العظمة، والباقون بالياء، والضميرُ للَّه تعالى.
قوله: {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} هذه الجملةُ في محل نصبِ صفةٍ لجنات، وقد تقدم مرارًا أن المنصوب بعد دخل من الظروف هل نَصْبُهُ نصبُ الظُّروف، أو نَصْبُ المفعول به؟
الأوَّل: قول الجمهور.
والثاني: قول الأخفش، فكذلك {جَنَّاتٍ}، و{نَارًا}. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفيروزابادي:

قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا وَذلك الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} بالواو، وفى براءَة {ذلك} بغير واو، لأَنَّ الجملة إِذا وقعت بعد أَجنبيَّة لا تحسن إِلاَّ بحرف العطف.
وإِن كان بالجملة الثانية ما يعود إِلى الجملة الأَولى حسن إِثبات حرف العطف، وحسن الحذف؛ اكتفاءً بالعائد.
ولفظ {ذلك} في الآيتين يعود إِلى ما قبل الجلمة، فحسن الحذف والإِصبات فيهما.
ولتخصيص هذه السّورة بالواو وجهان لم يكونا في براءَة: أَحدهما موافقة ما قبلها، وهى جملة مبدوءَة بالواو، وذلك قوله: {وَمَنْ يَطِعِ الله}؛ والثانى موافقة ما بعدها، وهو قوله: {وَلَهُ} بعد قوله: {خَالِدًا فِيهَا} وفى براءَة أَوعد أَعداءَ الله بغير واو، ولذلك قال: {ذلك} بغير واو. اهـ.

.تفسير الآية رقم (14):

قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أشربت القلوب الصافية ذوات الهمم العالية حب نيل هذا الفوز أتبعه الترهيب فطمًا لها عن تلك الفوائد بالكلية فقال: {ومن يعص الله} أي الذي له العظمة كلها {ورسوله} أي في ذلك وغيره {ويتعد حدوده} أي التي حدها في هذه الأحكام وغيرها، وأفرد العاصي في النيران في قوله: {يدخله نارًا خالدًا فيها} لأن الانفراد المقتضي للوحشة من العذاب والهوان، ولما كان منعهم للنساء والأطفال من الإرث استهانة بهم ختم الآية بقوله: {وله عذاب مهين}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

وقوله: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} يريد في قسمة المواريث فلم يقسِمها ولم يعمل بها {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} أي يخالف أمره {يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}.
والعصيان إن أُريد به الكفر فالخلود على بابه، وإن أُريد به الكبائر وتجاوز أوامر الله تعالى فالخلود مستعار لمدّة ما.
كما تقول: خلّد الله ملكه.
وقال زهير:
ولا خالدًا إلا الجبال الرواسيا

وقد تقدّم هذا المعنى في غير موضع. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومن يعص الله ورسوله ويتعدّ حدوده يدخله نارًا خالدًا فيها وله عذاب مهين} لما ذكر ثواب مراعي الحدود ذكر عقاب من يتعداها، وغلظ في قسم المعاصي، ولم يكتف بالعصيان بل أكد ذلك بقوله: {ويتعدّ حدوده}، وناسب الختم بالعذاب المهين، لأن العاصي المتعدّي للحدود برز في صورة من اغتر وتجاسر على معصية الله.
وقد تقل المبالاة بالشدائد ما لم ينضم إليها الهوان، ولهذا قالوا: المنية ولا الدنية.
قيل: وأفرد خالدًا هنا، وجمع في خالدين فيها، لأنّ أهل الطاعة أهل الشفاعة، وإذا شفع في غير دخلها، والعاصي لا يدخل النار به غيره، فبقي وحيدًا انتهى. اهـ.

.قال الفخر:

قالت المعتزلة: هذه الآية تدل على أن فساق أهل الصلاة يبقون مخلدين في النار.
وذلك لأن قوله: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} إما أن يكون مخصوصا بمن تعدى في الحدود التي سبق ذكرها وهي حدود المواريث، أو يدخل فيها ذلك وغيره، وعلى التقديرين يلزم دخول من تعدى في المواريث في هذا الوعيد، وذلك عام فيمن تعدى وهو من أهل الصلاة أو ليس من أهل الصلاة، فدلت هذه الآية على القطع بالوعيد، وعلى أن الوعيد مخلد، ولا يقال: هذا الوعيد مختص بمن تعدى حدود الله، وذلك لا يتحقق إلا في حق الكافر.
فإنه هو الذي تعدى جميع حدود الله، فإنا نقول: هذا مدفوع من وجهين:
الأول: إنا لو حملنا هذه الآية على تعدي جميع حدود الله خرجت الآية عن الفائدة لأن الله تعالى نهى عن اليهودية والنصرانية والمجوسية، فتعدي جميع حدوده هو أن يترك جميع هذه النواهي، وتركها إنما يكون بأن يأتي اليهودية والمجوسية والنصرانية معا وذلك محال، فثبت أن تعدى جميع حدود الله محال فلو كان المراد من الآية ذلك لخرجت الآية عن كونها مفيدة، فعلمنا أن المراد منه أي حد كان من حدود الله.
الثاني: هو أن هذه الآية مذكورة عقيب آيات قسمة المواريث، فيكون المراد من قوله: {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} تعدى حدود الله في الأمور المذكورة في هذه الآيات.
وعلى هذا التقدير يسقط هذا السؤال.
هذا منتهى تقرير المعتزلة وقد ذكرنا هذه المسألة على سبيل الاستقصاء في سورة البقرة.
ولا بأس بأن نعيد طرفا منها في هذا الموضع فنقول: أجمعنا على أن هذا الوعيد مختص بعدم التوبة لأن الدليل دل على أنه إذا حصلت التوبة لم يبق هذا الوعيد، فكذا يجوز أن يكون مشروطا بعدم العفو، فإن بتقدير قيام الدلالة على حصول العفو امتنع بقاء هذا الوعيد عند حصول العفو، ونحن قد ذكرنا الدلائل الكثيرة على حصول العفو، ثم نقول: هذا العموم مخصوص بالكافر، ويدل عليه وجهان: الأول: إنا إذا قلنا لكم: ما الدليل على أن كلمة (من) في معرض الشرط تفيد العموم؟ قلتم: الدليل عليه أنه يصح الاستثناء منه، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل فيه، فنقول: إن صح هذا الدليل فهو يدل على أن قوله: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} مختص بالكافر: لأن جميع المعاصي يصح استثناؤها من هذا اللفظ فيقال: ومن يعص الله ورسوله إلا في الكفر، والا في الفسق، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، فهذا يقتضي أن قوله: {وَمَن يَعْصِ الله} في جميع أنواع المعاصي والقبائح وذلك لا يتحقق إلا في حق الكافر، وقوله: الإتيان بجميع المعاصي محال لأن الإتيان باليهودية والنصرانية معا محال، فنقول: ظاهر اللفظ يقتضي العموم إلا إذا قام مخصص عقلي أو شرعي، وعلى هذا التقدير يسقط سؤالهم ويقوي ما ذكرناه.
الوجه الثاني: في بيان أن هذه الآية مختصة بالكافر: أن قوله: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} يفيد كونه فاعلا للمعصية والذنب، وقوله: {وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} لو كان المراد منه عين ذلك للزم التكرار، وهو خلاف الأصل، فوجب حمله على الكفر، وقوله: بأنا نحمل هذه الآية على تعدي الحدود المذكورة في المواريث. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقولُه: {خالدًا فيها} استُعمل الخلود في طول المدّة.
أو أريد من عصيان الله ورسوله العصيان الأتمُّ وهو نبذ الإيمان، لأنّ القوم يومئذ كانوا قد دخلوا في الإيمان ونبذوا الكفر، فكانوا حريصين على العمل بوصايا الإسلام، فما يخالف ذلك إلاّ من كان غير ثابت الإيمان إلاّ من تاب.
ولعلّ قوله: {وله عذاب مهين} تقسيم، لأنّ العصيان أنواع: منه ما يوجب الخلود، ومنه ما يوجب العذاب المهين، وقرينة ذلك أنّ عطف {وله عذاب مهين} على الخلود في النار لا يُحتاج إليه إذا لم يكن مرادًا به التقسيم، فيضطرّ إلى جعله زيادةَ توكيد، أو تقول إنّ محط العطف هو وصفه بالمهين لأنّ العرب أباة الضيم، شمّ الأنوف، فقد يحذرون الإهانة أكثر ممّا يحذرون عذاب النار، ومن الأمثال المأثورة في حكاياتهم (النار ولا العار).
وفي كتاب [الآداب] في أعجاز أبياته:
والحرّ يصبر خوف العار للنار

سؤال: فإن قلت: كيف قطع للعاصي بالخلود في النار في هذه الآية وهل فيها دليل للمعتزلة على قولهم إن العصاة والفساق من أهل الإيمان يخلدون في النار؟.
قلت: قال الضحاك المعصية هنا الشرك وروى عكرمة عن ابن عباس في معنى الآية من لم يرض بقسمة الله ويتعد ما قال الله يدخله نارًا وقال الكلبي: يكفر بقسمة المواريث ويتعد حدود الله استحلالًا إذا ثبت ذلك فمن رد حكم الله ولم يرض بقسمته كفر بذلك وإذا كفر كان حكمه حكم الكفار في الخلود في النار إذا لم يتب قبل وفاته إذا مات وهو مصر على ذلك كان مخلدًا في النار بكفره فلا دليل في الآية للمعتزلة والله أعلم. اهـ.